هل تفقد وتيرة التعافي الاقتصادي الصيني قوتها؟
2023-05-31 12:19:33

|

publish
Content

فاق أداء الاقتصاد الصيني التوقعات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2023، بعد أن توسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 بالمئة؛ مستفيداً من إسدال الستار عن سياسة “صفر كوفيد” وبما أسهم في تسريع وتيرة النشاط الاقتصادي، ومع ازدهار الصادرات ومبيعات التجزئة، إلا أن الأسابيع الأخيرة قد شهدت مؤشرات على اتجاهات مغايرة نسبياً تُشكك في مدى إمكانية مواصلة “التعافي السريع”.

أبرز تلك المؤشرات تمثل في الأداء الضعيف لقطاع العقارات، مع تراجع المبيعات إلى 63 بالمئة من مستوياتها للعام 2019 في أبريل، انخفاضاً من 95 بالمئة في مارس، بحسب بيانات شركة الأبحاث Gavekal.

وقد امتدت أزمة العقارات إلى الإنتاج الصناعي، الذي انخفض في أبريل مقارنة بأرقام 2019 المعدلة موسمياً، مع انخفاض الطلب على الأسمنت والزجاج والسلع الأخرى. علاوة على فقدان الاستهلاك المنزلي، وهو أحد الدوافع الرئيسية المقصودة للتعافي، قوته.

ولم ترق مبيعات العقارات ومعدلات الإنتاج الصناعي ونسبة نمو الائتمان، إلى بلوغ التوقعات السابقة في أبريل وحتى أوائل مايو، الأمر الذي قد يسهم في تقلص فرص النمو على النحو المستهدف.

تزامن ذلك مع ارتفاع أسعار عديد من المواد؛ من بينها النحاس والحديد، علاوة على تراجع الأسهم، والتراجع النسبي لليوان الصيني مقابل الدولار الأميركي خلال الأشهر الأخيرة (الدولار يعادل 7 يوان تقريباً). وجنباً إلى جنب تراجعت مؤشرات إنفاق المستهلك (رغم القفزة التي حققها في بداية رفع قيود كورونا).

وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء:

  • انكمش نشاط المصانع في الصين أسرع من المتوقع في مايو، بسبب ضعف الطلب، مما زاد الضغط على صانعي السياسة لدعم الانتعاش الاقتصادي غير المنتظم.
  • انخفض المؤشر الرسمي لمديري مشتريات قطاع الصناعات التحويلية إلى 48.8 من 49.2 في أبريل.
  • يعد ذلك أدنى مستوى للمؤشر في خمسة أشهر وأقل من حاجز 50 نقطة الذي يفصل النمو عن الانكماش. وخالف مؤشر مديري المشتريات التوقعات بارتفاعه إلى 49.4.
  • أما قطاع الخدمات فقد سجل نموا بأبطأ وتيرة في أربعة أشهر في مايو، مع انخفاض المؤشر الرسمي لمديري مشتريات القطاع غير الصناعي إلى 54.5 من 56.4 في أبريل.

وفي الشهر الماضي، تقلصت الواردات بشدة، وهبط مؤشر أسعار المنتجين (الذي يقيس تكاليف السلع عند بوابة المصنع)، وتراجع الاستثمار العقاري، وهوت القروض المصرفية الجديدة، وانخفضت الأرباح الصناعية، وجاء إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة دون التوقعات.

أزمة ثقة

تسهم تلك العوامل مُجتمعة في تعزيز “أزمة الثقة” فيما يخص قدرة الاقتصاد الصيني على التعافي الأسرع. وهو ما عبّر عنه كبير الاقتصاديين الصينيين في غولدمان ساكس، هوي شان، في تصريحات نقلتها عن صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أخيراً، عندما قال: “بالنسبة للمستهلكين، هناك مخاوف بشأن المستقبل، وتبعاً لذلك فإنهم لا يريدون الإنفاق.. كما أن الاستثمار الخاص كذلك ضعيف جداً.. وبالنسبة لرواد الأعمال هناك إحجام عن المشاركة”.

يأتي ذلك رغم محاولات الحكومة الصينية تعزيز الثقة في الأعمال من أجل تحريك النشاط الاقتصادي بوتيرة أسرع بعد ثلاث سنوات مضطربة.

وفي وجود عديد من التحديات الاقتصادية، حددت الحكومة هدفاً متواضعاً للنمو عند 5 بالمئة هذا العام، مقارنة بنسبة نمو 3 بالمئة العام الماضي (وهي أدنى مستوى منذ 47 عاماً في ظل عمليات الإغلاق وسياسة صفر كوفيد).

قدرة على التعافي السريع

أستاذ الاقتصاد المدير السابق لمركز البحوث الصينية بالقاهرة، الدكتور ياسر جاد الله، يُعلق في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بقوله: “إن الاقتصاد الصيني لديه القدرة على التعافي السريع، لا سيما في ظل ما يتمتع به من مقومات، بما في ذلك تنويع مصادر الإنتاج والأسواق، والاستفادة من العنصر البشري والمقومات المادية”.

يتفق جاد الله في ذلك مع الخبراء الذين نقلت عنهم الصحيفة البريطانية تأكيداتهم على أن “هدف النمو للعام بأكمله في الصين لا يزال قابلاً للتحقق، بالنظر إلى المستويات المنخفضة المسجلة العام الماضي، عندما أغلقت السلطات شنغهاي، أكبر مدينة في الصين، ومدن كبرى أخرى لأشهر متتالية”.

يشير جادالله، إلى أن الاقتصاد الصيني مرّ بمراحل وتحديات صعبة، وتمكن من تجاوزها، علاوة على أنه قد نشأ في ظروف صعبة، ولديه قدر من المرونة على التعامل مع التحديات القائمة، والعمل في مثل تلك الظروف، لا سيما وأن التحديات القائمة ترتبط بشكل أو بآخر بأوضاع عامة يعاني منها الاقتصاد العالمي تحت وطأة تبعات وضغوطات جائحة كورونا وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية، وكذلك الضغوطات التي تفرضها الحرب في أوكرنيا.